نزهة الربيع

بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr

قال الأب عمر: لقد جاء فصلُ الربيعِ بجمالِه وروعتِه وزهورِه ووردِه وخضرتِه، فهو شبابُ الدنيا، فما رأيكم يا أبنائي أنْ نذهبَ إلى المزرعةِ ونتنزه فيها، ونطمئنَ على حالِها، ونمتعَ أنفسَنا بجمالِها؟ فقال الأولاد جميعًا: نِعْمَ الرأيُ يا والدي. قال الأب: إني أريدُها أنْ تكونَ نزهةً نتعاونُ جميعًا في تنفيذِها. فقال محمود: سيكونُ ذلك كما تأمر يا ابتاه، إن شاء الله، قال الأب: ما رأيكم أنْ يكونَ ذهابُنا يومَ الجمعة فنمضي اليوم وما بعدَه في المزرعة، و يزداد تمتعُنا و سرورُنا بما نرى. صاح الأولاد جميعًا: نحن موافقون. قال الأب: وما تريدون أنْ نعدَّ من الطعام؟ قالوا: كما تشاء، قال نعدُّ لحمًا مشويًا، فقالت سلمى: إننا متشوقون لأكلِ اللحمِ المشوي، فقال الأب: إذًا لنوزعَ المهامَ، فأنت يا محمود مسؤولٌ عن اللحمِ الذي سأحضره وعن شوائه على الفحم، وأنت يا سلمى مسؤولةٌ عن ترتيبِ المائدةِ ووضعِ الصحون والأطباق و الملاعق والكاسات، وتساعدك أختك ليلى. وأنت يا سامر مسؤولٌ عن إحضارِ الخبزِ واللبنِ وصنعِ صلصة الطماطم. وأنا سأقومُ بتقطيعِ اللحمِ ووضعِه على أسياخِ الشواء. أما أنت يا ياسر فمسؤولٌ عن الماء. صفّق الأولاد جميعًا وهم يقولون ستكونُ إن شاء الله لدينا نزهةٌ جميلةٌ وفريدةٌ ما دامت في مثل هذا النظام.
في صباحِ يومِ الجمعة أفاق الجميعُ باكرًا ولبسوا ملابسَ تليقُ بالنزهة، وقد أحضر كلُّ واحدٍ منهم لعبةً يريدُ أنْ يلهو َبها، فهذا أحضر الكرةَ، وذاك أحضر مضاربَ كرةِ المضرب، وآخر أحضر حبلاً ليصنعَ أرجوحة، وسلمى أحضرت رقعةَ الشطرنج، فهي مولعةٌ بلعبِ الشطرنج وتتحدى دائمًا إخوتها.
أحضر الأبُ السيارة وفتح ثلاجةَ البيتِ فأخرج منها اللحمَ الذي أحضره في كيس بلاستيكي، وانطلق كلُّ واحدٍ من الأولاد نحوَ صندوقِ السيارة يضعُ ما كُلِّفَ به و تحركتِ السيارةُ تسيرُ ببطءٍ على الطرقات ليتمتعَ الجميعُ بمنظرِ الأشجارِ والأزهارِ ومنظرِ النهر الذي يمرُّ من جانبِ الطريق حتى وصلوا إلى المزرعة فتلقاهم حارسُ المزرعة وقد هيأ لهم تحتَ الشجرةِ مجلسًا حفِلَ بالمقاعدِ والمساندِ وسجادةٍ كبيرةٍ قد مدَّ فوقَها ستارةً من المشمع لوضعِ الطعامِ فوقَها، حتى لا تفسدَ السجادة، ووضع في طرفِ المجلسِ طبقًا كبيرًا فيه بواكيرُ الفاكهة التي بدأت تنضج. رحَّب حارسُ المزرعةِ بعمرَ وزوجِه وأولادِه، ودعاهم إلى الاستراحة، وسأل الأبَ إنْ كانوا يريدون شيئًا معينًا، فشكره الأب وقال له: هل الثلاجةُ صالحةٌ للاستعمال؟ فقال الحارس: نعم، قال إذًا لا نريدُ منك شيئًا، اذهبْ واسترحْ، ولك خالصُ الشكر.
استراح الجميعُ فترةً ثم دعا الأبُ أولادَه لينفّذَ كلُّ واحدٍ منهم ما كُلّفَ به، فهذا مضى لإحضارِ اللحم، وذاك لإشعالِ النار، وآخر لترتيبِ الخبز، وأصبح كلُّ شيءٍ جاهزًا إلا شواءَ اللحم، لكنَّ محمودًا لم يحضرْ، ولم يحضرِ اللحمَ من السيارة، و بعد فترةٍ جاء مصفرَّ الوجهِ حزينًا خجولاً، فقال الأب: أين اللحمُ يا محمود؟ فأجاب: حينما فتحتُ صندوقَ السيارةِ لإحضار الفحمِ أخرجتُ اللحمَ ووضعته على الأرض وحين ذهبتُ لإحضارِه لم أجدْه! فلعلَّ أحدًا أخذه، أو أنَّ الهررةَ أكلته، تظاهر الأب بالغضب وقال: أنت مهملٌ لا تعرفُ التنظيمَ في حياتِك! هل نكتفي باللبن و السلطة وهذا التعبُ كلُّه رميته في الأرض. فدمعت عينا محمود وقال: إني أعترفُ بتقصيري. فقال الأب: أرأيت يا بُني نتيجةَ التقصير والفوضى؟ قال محمود: أنا أعتذرُ إليكم جميعًا، فالذنبُ ذنبي. قال الأب: ما رأيكم أن تأكلوا الخبزَ واللبن؟ فانزعج الجميع، وحين رأى الأب أنَّ تأنيبَ محمود قد أثّر في الجميع قال: اذهب يا محمود وأحضر اللحمَ من الثلاجة، فلقد مررتُ فوجدتُ كيسَ اللحمِ على الأرض فخشيتُ عليه من القطط فوضعته في الثلاجة، وأحببتُ أنْ أعلمك درسًا في تحمُّلِ المسؤولية والمحافظة على النظام! صفّق الأولادُ جميعًا، وعلا دخانُ الشواءِ، وأكل الجميع وهم مسرورون، وشكروا الأبَ على هذه النزهة وعلى هذا الدرس.